محمد خروب
ساذج من يعتقد ان ليس بمقدور الزعيمان الكوري الشمالي وخصوصا الكوري الجنوبي، البدء بكتابة فصل جديد من تاريخ بلديهما المأساوي, الذي أراد له الأميركيون ان يكون رهينة لأطماعهم وهيمنتهم وساحة صراع أيديولوجي لهم مع المعسكر الإشتراكي بقيادة الإتحاد السوفياتي, الذي خرَج بقوة على المسرح العالمي, بعد مشاركته الفاعلة والحاسمة في الحرب العالمية الثانية, وبالذات بعد سنتين فقط من نجاح الثورة الشعبية التي قادها الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماوتسي تونغ, ما منح أشرعة الإشتراكية رياحا جديدة وقوية, أثارت قلق الأنظمة الرأسمالية ورهط القوى الغربية وبالذات الولايات المتحدة الأميركية, التي سعت (ونجحت لاحقاً) في وراثة الإمبراطوريتين الإستعماريتين القديمتين, اللتين ستجدان نفسيهما بعد ست سنوات من اندلاع الحرب الكورية ( 1950 – 1953 ) في وضع الإنهيار وفقدان المكانة والهيبة والنفوذ, على نحو لم تسلم منه الإمبراطوريات عبر التاريخ, في مشوار صعودها «المثير» وسقوطها المدوِّي... لأسباب عديدة.
نقول: بمقدور كيم جونغ اون «وشقيقه» الجنوبي مون جيه ان، تنفيذ «حلم» شعبيهما، بل «شعبهما» الواحد بتحويل شبه الجزيرة الكورية الى واحة أمن وسلام, وتجنيب «بلدهما» ويلات الحروب واستغلال القوة العدوانية الأميركية لموقعها الجغرافي, المكرّس لخدمة استراتيجيتها الكونية ومصالحها الأنانية, حيث لا تحفل بحقوق او سيادة أو مصالح اي من حلفائها ولا أتباعِها, ما بالك خَدمِها ومن جاءت بهم الى مواقع السلطة أو تقوم بحمايتهم؟.
صحيح أن قمة السابع والعشرون من نيسان «الثنائية» ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه, كونها اسست لــِ»اعلان السلام» أو «علان بانمنجوم», حيث التأمَت القمة في تلك القرية الحدودية الواقعة على خط التّماس, الذي ما يزال يفصل البلد الواحد منذ وقف اطلاق النار في العام 1953 (لم يتم التوقيع على اتفاقية سلام أو اعلان انتهاء الحرب مذّاك حتى يومنا هذا)، إلا انه صحيح دائما أن القرار «الحاسِم» في ذلك ليس في يد الكوريين وحدهم، اذ دائماً هناك مَن يضع «الفيتو» ويُنفِّذَه, والمقصود ليس احدا سوى ذلك القابع الآن في البيت الأبيض الأميركي, حيث نجح «أسلافه» في اطاحة كل من فكّر بالخروج على طاعتهم في سيؤول, أو حتى مجرد التفكير بتبريد الأجواء التي استمرت ساخنة ومتوترة ومفتوحة على احتمالات التصعيد والتلويح بخيار «الحرب» حتى خلال المحادثات السداسية الشهيرة التي تمت في عهد بوش الصغير, التي انخرطت فيها الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية والصين وروسيا وكوريا الشمالية, وسجَّلَت تقدّماً «نسبياً» لكنها لم تسفِر في النهاية عن «اتفاق» كذلك الذي تم التوقيع عليه بين ايران ومجموعة (5+1) في 14/7/2015, حيث يسعى دونالد ترمب الى اطاحة هذا الإتفاق أو الإلتفاف عليه بالتواطؤ مع أتباعه في باريس ولندن بهدف تأمين اسرائيل, ليس تخوّفاً من حكاية القدرات النووية الإيرانية المزعومة, بقدر ما يتم التركيز عليه الآن وهو برنامج طهران الصاروخي الباليستي... غير المشمول في الإتفاق, حيث نجح نتنياهو في «إقناع» ترمب بأن ذلك البرنامج يشكل خطرا على دولة العدو الصهيوني, ما دفع المأمرِك الجديد في باريس, الذي يسعى لإستعادة ارث بلاده الإستعماري (ايمانويل ماكرون) للضغط على ترمب لمحاولة الحصول على اتفاق «جانبي جديد» في المرحلة الحالية (بدون روسيا والصين والأمم المتحدة) الذين وقّعوا الإتفاق النووي، يهدِف (الإتفاق الجانبي الجديد) الى تشديد العقوبات ضد ايران في مجال الصواريخ الباليستية والتوسّع الإقليمي (...) غير المشمولة في الإتفاق, الى جانب تعهّدات متبادَلة بين الدول الثلاث.. فرنسا, ألمانيا والولايات المتحدة, حول كيفية التصرف إذا قامت ايران بخرق الإتفاق الأصلي نفسه, كما يقترِح ماكرون وفق ما كتب حامي شليف صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر يوم 25 نيسان الجاري.
زعيما شطري كوريا نجحا في استقطاب أنظار العالم أجمع, ولم يتقدم اي خبر في المعمورة على قمة «كيم ومون» كما احتفت وسائل الإعلام والتحليلات وردود فعل الدوائر السياسية والدبلوماسية بما جاء في إعلانهما المشترك, وبالطبع لم تكن ردود الفعل تلك متطابِقة خصوصاً في عالم يعيش أجواء متوترة ومناخات تشي بمخاض قد يكون عنيفاً لولادة تُسفِر عن نظام دولي جديد متعدد الأقطاب, يؤشر ضمن أمور أخرى, الى أفول عهد التفرّد الأميركي بالقرار الدولي، لكنها ـــ ردود الفعل الدولية – أضاءت من جانب آخر, على حجم المأزق الذي فرَضه الإستعمار الأميركي على كوريا الجنوبية, وانعِدام قدرتها على اتخاذ قرار السلم والحرب باستقلالية, رغم أن القوات الأميركية المنتشِرة هناك, ما تزال تعمل «شكليا» تحت الراية «الزرقاء» للأمم المتحدة, التي خوّلتْها (تواطئاً كما تجب الإشارة).. مهمة العمل هناك.
....للحديث صِلة.
Kharroub @jpf.com.jo